ما هي حقيقة البروج الكونية؟ ماذا يقول علماء القرن الحادي والعشرين؟ وماذا يقول القرآن الذي نزل في القرن السابع الميلادي؟ لنقرأ ونتأمل ونتدبر هذه الآيات العظيمة.
يقول تبارك وتعالى في محكم الذكر: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [غافر: 64]. سوف نعيش في رحاب هذه الآية الكريمة وما تحويه من معجزات كونية مبهرة، وهذه المعجزات أيها الأحبة لم تتضح إلا حديثًا جدًّا في القرن الحادي والعشرين، وقد أودع الله تبارك وتعالى هذه المعجزات في آيات كتابه لتكون دليلًا على صدق هذا الكتاب، والله تبارك وتعالى هو القائل: {سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53]. ولكن قبل ذلك دعونا نأخذ فكرة عن الكون، وما يحويه من بناء محكم ومجرات لا يعلم عددها إلا الله تعالى، وغبار كوني ودخان كوني ومادة مظلمة لا يعلم طبيعتها إلا الخالق تبارك وتعالى.
ففي البداية.. طالما نظر الناس إلى كوننا على أنه كون ثابت، وأن الأرض التي نعيش عليها هي في مركز الكون، وأن الشمس والقمر والكواكب والنجوم تدور حول هذه الأرض، وهكذا تصور العلماء الكون على أنه كون ثابت وأن الأرض تقع في مركز الكون وهي ثابتة لا تتحرك، وأن النجوم تدور حولها في أفلاكها.
عندما جاء العصر الحديث، اكتشف العلماء أن كل ما نراه من نجوم في السماء هو جزء ضئيل من مجرتنا درب التبانة. هذه النجوم التي نراها في السماء بالعين المجردة هي جزء من هذه المجرة والمجرة هي تجمع من النجوم يحوي مئات البلايين من النجوم. وبعد ذلك اخترع العلماء العدسات المقربة أو التلسكوبات فاستطاعوا أن ينظروا خارج مجرتنا، فرأوا أن الكون يزهر بالمجرات، وقدروا عدد هذه المجرات بأكثر من مائة ألف مليون مجرة كلها تسبح في هذا الكون الواسع بنظام دقيق.
ولكن في البداية ظن العلماء أن هنالك فضاءً كونيًّا كبيرًا، واعتبروا أن المسافات التي بين النجوم والمجرات فارغة لا تحوي شيئًا ولذلك أطلقوا مصطلح Space أي فضاء ولكن بعد ذلك تبين لهم أن هذا الفضاء ليس فضاءً بكل معنى الكلمة، اكتشفوا وجود مادة مظلمة تملأ الكون، حتى إن بعض الحسابات تخبرنا بأن نسبة المادة المظلمة والطاقة المظلمة وهي مادة غير مرئية لا نراها ولا نعرف عنها شيئًا تشغل من الكون أكثر من 96 % والمادة المرئية والطاقة المرئية أيضًا الطاقة العادية يعني لا تشغل إلا أقل من 4 % من حجم هذا الكون.
لقد بدأ العلماء يكتشفون بنية معقدة لهذا الكون، فاكتشفوا بأن المجرات توضع على خيوط دقيقة وطويلة تشبه نسيج العنكبوت، واكتشفوا أيضًا أن المادة المظلمة تنتشر في كل مكان وتسيطر على توزع المجرات في الكون.
وبعد ذلك أدركوا أنه لا يوجد أي فراغ في هذا الكون فأطلقوا كلمة Building أي بناء على هذا الكون، وهذه الكلمة جديدة عليهم لأنهم رأوا في هذا الكون بالفعل بناءً محكمًا، ولكن هذه المعلومة ليست جديدة على كتاب الله تبارك وتعالى، فقد وصف الله عز وجل السماء في آيات القرآن بأنها بناء، لا توجد ولا آية واحدة تتحدث عن السماء وتصفها بأنها فضاء، لا.. إنما دائمًا نجد القرآن يستخدم كلمة البناء، يقول تبارك وتعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} [ق: 6]، ويقول في آية أخرى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} [البقرة: 21- 22]، ويقول في آية أخرى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} أي بقوة {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات: 47] هذه الآية تتحدث عن التوسع الكوني الذي ينادي به العلماء اليوم.
وفي آية أخرى يقول تبارك وتعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [غافر: 64]، ويقول أيضًا مقسِمًا بالسماء: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: 5]، وهكذا آيات كثيرة تأتي دائمًا بصيغة البناء لتؤكد لنا أن الكون بناء، وهذا ما وجده العلماء يقينًا في القرن الحادي والعشرين.
وجد العلماء بأن الكون عبارة عن بناء محكم، ولذلك فالأبحاث الصادرة حديثًا، والتي ينال أصحابها الجوائز عليها، تهدف بالدرجة الأولى الأبحاث الكونية الحديثة إلى اكتشاف بنية الكون، تهدف إلى اكتشاف البناء الكوني. وهنا تتجلى معجزة القرآن، فالعلماء عندما أطلقوا على الكون اسم فضاء كانوا مخطئين، واليوم يعدلون عن هذه التسمية إلى ما هو أدق منها فيستخدمون كلمة البناء من أجل وصف الكون، ولكن هذه الكلمة موجودة منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا في كتاب الله تعالى تبارك وتعالى، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن القرآن الكريم دقيق من الناحية العلمية واللغوية، فجميع كلماته تأتي مناسبة تمامًا للحقيقة الكونية التي يصفها.
ولكن.. ماذا يعني قوله تعالى {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا} ما معني كلمة قَرَارًا، وكيف نحسُّ بهذا القرار؟ إننا نعيش على هذه الكرة الأرضية، والله تبارك وتعالى زوّد هذه الأرض بحقل للجاذبية بحيث أنه يجذبنا إليها في كل لحظة، فنحس بالاستقرار.
إن رواد الفضاء مجرد أن غادروا الغلاف الجوي، وارتفعوا خارج الأرض فإنهم على الفور يفقدون أوزانهم ويحس رائد الفضاء وكأنه يسبح في بحر عميق، فإذا أراد أن يأكل اضطرب لديه نظام الأكل، لأنه تعود على نظام الجاذبية الأرضية، وإذا أراد أن ينام لا يستطيع النوم لأنه ليس لديه أرض يستقر عليها وينام عليها، بل إنهم أحيانًا يضعون نوابض على رءوسهم ليضغطوا هذه الرءوس فيحسّون بشيء من الثقل ليتمكنوا من النوم، وتضطرب لديهم الذاكرة، وتضطرب لديهم الدورة الدموية، ونظام عمل القلب يضطرب، وكثير من الأشياء.
كل هذه النعم لم نحس بها إلا بعد أن غادر رواد الفضاء وخرجوا خارج الأرض ووصفوا لنا ما يحسون به، وهناك علم قائم بذاته اليوم، يدرس المشاكل التي يسببها فقدان الجاذبية الأرضية، وهذا العلم يهتم بالدرجة الأولى برواد الفضاء، وبالناس الذين يمضون فترات طويلة سواء في الفضاء الخارجي أو في الغواصات في أعماق البحار.
ومن هنا ندرك أهمية هذه الجاذبية وأهمية هذا القرار وهذا الأمر لم يكن أحد يدركه في زمن نزول القرآن ولكن الله تبارك وتعالى ذكرنا بهذه النعمة فقال: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [غافر: 64]. لو تأملنا جميع الأبحاث الكونية الصادرة حديثًا، نلاحظ أن هذه الأبحاث تؤكد أن الكون ليس فيه أي فراغ على الإطلاق، وهذا ما وصفته لنا الآية في قول الحق تبارك وتعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} [ق: 6].
في البداية اعتقد علماء الفلك عندما رأوا فجوات في السماء أن الكون يحوي هذه الفجوات العميقة والضخمة جدًّا، فأطلقوا عليها اسم الفجوات الكونية أو الثقوب الكونية واعتبروا أنها عبارة عن فراغات لا يوجد فيها أي شيء، ولكن بعد أن اكتشفوا المادة المظلمة ماذا وجدوا؟ وجدوا أن هذه الفراغات ليست بفراغات حقيقة، إنما تحوي مادة مظلمة غير مرئية تساوي أضعاف ما يحويه الكون من المادة العادية المرئية، وهنا أيضًا يتجلى القسم الإلهي عندما قال تبارك وتعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ، وَمَا لَا تُبْصِرُونَ} [الحاقة: 39] إذًا هناك أشياء لا نبصرها وهي أعظم من الأشياء التي نبصرها.
البروج:
إذا تأملنا هذه الآية الكريمة {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا} [ق: 6] نلاحظ أن الكون فعلًا فيه بناء هندسي رائع، فالعلماء بعدما اكتشفوا النسيج الكوني، يتحدثون عن حُبُك موجودة في هذا الكون، يتحدثون عن نسيج محكم يملأ هذا الكون، يتحدثون عن أعمدة كونية، حتى أنهم اكتشفوا منذ مدة جدران كونية كل جدار يبلغ طوله ملايين السنوات الضوئية، جدار مليء بالنجوم والمجرات- جدار كوني- وهنالك أعمدة كونية أيضًا، وهنالك جسور كونية، وهنا ربما نتذكر قول الحق تبارك وتعالى عندما قال عن نفسه: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا} [الفرقان: 61] فما هي البروج الكونية؟
لقد فسر بعض العلماء هذه الآية على أن البروج الكونية هي: النجوم التي تصطف بطريقة معينة توحي إليهم ببعض الحيوانات مثل الثور والعقرب والجدي وغير ذلك، فأطلقوا على هذه أسماء البروج وعددها اثنا عشر برجًا، ولكن تبين للعلماء بعدما اكتشفوا الكون وأسراره والأبعاد بين المجرات والنجوم: أن هذه النجوم التي تظهر لنا وكأنها على نفس المستوى، تبين أن هذه النجوم لا علاقة فيما بينها، قد يكون هنالك نجم نرى بجانبه نجمًا آخر وقد يكون هذان النجمان بعيدين عن بعضهما جدًّا، وليس بينهما أي علاقة أو قوى جذب، إنما فقط الذي يصلنا هو الإشعاع، وقد يكون بعض هذه النجوم مات واختفى، وبعضها لا زال موجودًا، فجمعيها الله أعلم بمواقعها الحقيقية.
ولذلك عندما أقسم الله بالنجوم لم يقل: فلا أقسم بالنجوم، {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ، إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} [الواقعة: 75- 78]. إذًا النجوم التي اعتبرها العرب قديمًا، وبعض الحضارات القديمة بروجًا، ليست هذه التي يتحدث عنها القرآن، فعندما قال الله تبارك وتعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا} لا يقصد هذه البروج التي لا يوجد أي صفة علمية لها، إنما يقصد الله تبارك وتعالى- والله أعلم- الأبنية الكونية وهي التي ما يتحدث عنها العلماء اليوم.
يتحدث العلماء اليوم عن جدار عظيم بطول 500 مليون سنة ضوئية، ويتحدثون عن جسور كونية هائلة تمتد لمئات الملايين وأحيانًا لآلاف الملايين من السنوات الضوئية، ويتحدثون عن بناء كوني مبهر، فهنا يتجلى قول الحق تبارك وتعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا} بل إن الله تبارك وتعالى أقسم بهذه السماء فقال: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} [البروج: 1].
إن هذا البناء الكوني، وهذه الأبراج الكونية عظيمة جدًّا، ومع أن العلماء لا يتحدثون اليوم عن بناء متكامل- برج متكامل- إنما يتحدثون عن أعمدة، وجسور، وجدران، وقد يكتشفون حديثًا أو بعد مدة أن في الكون أبنية كل بناء يشبه البرج في بناءه وهندسته وارتفاعه، وسوف يكون بذلك القرآن أول كتاب يتحدث عن هذه الأبنية الكونية العظيمة في قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا}.
اكتشف العلماء حديثًا بناء كونيًّا عظيمًا يبلغ طوله 200 مليون سنة ضوئية، ويتألف هذا البناء الذي يدعى Lyman من عدة مجرات تصطف على خطوط تشبه البناء الهندسي الجميل، وبين هذه المجرات هناك فقاعات من الغاز الكوني يبلغ قطر كل منها بحدود 400 ألف سنة ضوئية، أي ضعفي طول مجرة الأندروميدا!
هذه الفقاعات تشكلت بنتيجة انفجار النجوم، ويقول العلماء إن هذه الفقاعات سوف تقوم بتشكيل نجوم أخرى لاحقًا. ويقول الباحث رويسوكي ياماوتشي من جامعة توهوكو إن أي جسم بهذا الحجم والكثافة هو نادر الحصول حين تكوّن الكون في الماضي.
ويحاول العلماء اكتشاف المزيد من البنى الكونية، ولديهم إحساس بأن هذا الكون هو عبارة عن مجموعة من الأبنية الضخمة! إن هذا البناء تشكل بعد نشوء الكون بـ 2000 مليون سنة، وقد تم اكتشاف هذه البنية الضخمة بواسطة تلسكوبي سوبارو وكيك.
اكتشف علماء من أستراليا وتشيلي مجموعة مجرات جديدة تبعد بحدود 10800 مليون سنة ضوئية، ويقولون إن المجرات التي شاهدوها تمثل شكل الكون قبل 10800 مليون سنة، وكما نعلم فإن السنة الضوئية هي ما يقطعه الضوء في سنة كاملة، علمًا بأن الضوء يسير بسرعة تقدر بـ 300 ألف كيلو متر في الثانية، وبالتالي يقطع في سنة واحدة 9. 5 تريليون كيلو متر، أي أن السنة الضوئية هي 9. 5 تريليون كيلو متر.
ما هو الهدف من ذكر هذه الحقائق الكونية؟
لماذا ذكر الله تبارك وتعالى حقيقة البناء الكوني: هل لمجرد حب المعرفة؟ أم هناك هدفًا عظيمًا من وراء هذه الحقيقة؟ يقول تبارك وتعالى مذكرًا عباده: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} تأملوا معي هذا الخطاب للناس جميعًا مهما كانت عقيدته أو لغته، الخطاب هنا ليس للمؤمنين فحسب بل يشمل الناس جميعًا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21]، والسؤال: ما هو الدليل على أن الله تعالى هو قائل هذه الكلمات؟
يأتيك الدليل مباشرة: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا} وبالفعل يقول العلماء إن الأرض ممهدة ومفروشة بطريقة دقيقة جدًّا تصلح للحياة بعكس القمر مثلًا، القمر غير صالح للحياة على الإطلاق بسبب الفوهات الكثيرة فيه، وبسبب الحفر والجبال والوديان والشقوق التي فيه. ثم يقول تبارك وتعالى في الآية التالية: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} أي إذا كنتم في شك من هذا القرآن: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 22- 23]، فهذه الحقائق الكونية التي أودعها الله في كتابه هي أصدق دليل في هذا العصر على صدق هذا الكتاب وأن الله تعالى قد رتبه بطريقة لا يمكن لأحد أن يأتي بمثلها.
وخلاصة القول:
ذكر القرآن حقيقة البناء الكوني الذي اكتشفه العلماء حديثًا، وذكر حقيقة الجاذبية الأرضية وفائدتها وأهميتها في استقرار البشر، وهي أمر لم يكتشف إلا في العصر الحديث، وذكر كذلك حقيقة البروج الكونية وهي ما يتحدث عنه العلماء اليوم، وأكد أنه لا فراغات أو فجوات أو فروج في السماء، وهو ما يؤكده العلماء اليوم... وهكذا حقائق لا تُحصى تأتي جميعها لتشهد على صدق هذا القرآن وصدق رسالة الإسلام.
ونقول لكل من لم يقتنع بعد بإعجاز القرآن العلمي: ماذا نسمي هذه الحقائق السابقة؟ هل نسميها إعجازًا أم أنها كلام عادي؟ عندما يصف القرآن السماء بكلمة بناء ويأتي العلماء في القرن الحادي والعشرين ليطلقوا الكلمة ذاتها على الكون أي كلمة Building أي بناء، ماذا نقول عن هذا التطابق الكامل؟ هل يمكن لإنسان عاقل أن يصدق أن هذا التطابق جاء بالمصادفة؟! إن هذا التطابق هو دليل مادي ملموس على أن القرآن نزل ليكون صالحًا لكل زمن ومكان، وهو صالح لعصرنا هذا ويخاطب علماء العصر بلغتهم: لغة الحقائق العلمية، فهل تقتنع معي يا صديقي الملحد بأن هذا القرآن هو الحق؟ إذًا استمع معي إلى هذا البيان الإلهي العظيم: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ * وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ * وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} [يونس: 37- 41]
الكاتب: عبد الدائم الكحيل.
المصدر: موقع أسرار الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.